الفواكه والخضار مفتاح الصحة: تذكير بسيط للأطفال يدفعهم نحو أكلها
--------------------------------------------------------------------------------
د. حسن محمد صندقجي / بالرغم من تكرار الأطباء نصيحتهم بضرورة الحرص على تناول الفواكه والخضار، وبالرغم من استخدامهم في ذلك كلمات وجُمل غاية في الوضوح لبيان مدى الحاجة إليها والجدوى منها، وبالرغم من تأكيدهم حقيقية بسيطة جداً مفادها أن تناولهما هو واحد من الدعائم الأساسية لتكوين وجبات غذائية ذات مردود صحي مضمون لأجسام وعقول الناس، إلا أن الواقع لا يزال خلاف ذلك، حيث أن المزيد من نتائج الدراسات الطبية الإحصائية الحديثة لا تزال تقول، في منتهى الصراحة المملة بتكرار عباراتها والممزوجة بخيبة أمل في فحواها، بأن معدلات استهلاك الناس للفواكه والخضار هي دون المستوى المطلوب لرفع مستوى الصحة والوقاية من الأمراض. بل إن واحدة من تلك الدراسات الحديثة تقول ما هو أبلغ. حيث تشير إلي مشكلة عدم إقبال الأطفال على تناولها، إنما مرده بالدرجة الأولى عدم اهتمامنا نحن كبالغين في توجيه هؤلاء الصبية والفتيات نحو الإقبال عليها وتذكيرهم بتناولها أو عصائرها. والدليل هو ما لاحظوه من أن القيام بمجرد التذكير لأطفال المرحل الابتدائية بوجودها وتوفرها، أثناء تقديم وجبات الطعام المدرسية إليهم، كفيل بإبدائهم الرغبة في تفضيلها على غيرها والإقبال على تناولها، الأمر الذي يُعيد إلي أذهاننا الحقيقة البسيطة والقوية، في نفس الوقت، وهي أن الأطفال يسهل توجيههم نحو اختيار الوجبات الصحية طالما تم توفير عناصرها في متناول أيديهم، وبُذل شيء من الجهد القليل نحو تحبيب تناولهم لها. وأن التكرار الممجوج لقصة شكوى كثير من الآباء أو الأمهات من عدم تناول أطفالهم للوجبات الصحية، ليس سببه الأطفال أنفسهم أو عنادهم، بل هو مدى بذلنا الجهد كبالغين في مساعدهم على تناولها وإبعاد الوجبات الضارة عنهم.
والقضية التي قد تبدوا للبعض مكررة في طرحها ولا جديد فيها من الناحية الطبية والصحية، لكنها في الحقيقة خلاف ذلك، من الناحية الصحية والطبية على الأقل، إذْ أنها إحدى قضايا الساعة العالقة دون حل في الوسط الطبي، والشائكة في البحث لوضع حلول لها. وما لم يتنبه الآباء والأمهات والأطباء إلي كيفية معالجتها والتغلب عليها فإنها ستتسبب في تداعيات صحية ضارة، على حد وصف كثير من الباحثين، في مستقبل صحة الأطفال وعُرضة إصابتهم بالأمراض المستقبلية، وذلك بدءًا من السمنة، ووصولاً إلى الإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ وأنواع شتى من السرطان، وبالطبع مروراً بأنواع أخرى من الأمراض المزمنة.
* تناول دون المستوى
* ويقول الباحثون من كلية جونز هوبكنز للصحة العامة في دراستهم المنشورة ضمن عدد إبريل القادم من المجلة الأميركية للطب الوقائي، إنه بالرغم من الحملات القوية الموجهة إلى عموم الناس، التي تحثهم على الإقبال على تناول الفواكه والخضار، إلا أن الأميركيين لا يزالون لا يتناولون منها الكمية المنصوح بتضمينها في وجبات طعامهم اليومية.
والمعروف أن إرشادات التغذية الصحية، وتحديداً التي بدأ التشديد في النصح بها منذ بدايات التسعينات الماضية، تتضمن ضرورة تناول حصتين يومياً، على أقل تقدير، من الفواكه. وكذلك تناول ثلاث حصص غذائية يومياً من الخضار، على أقل تقدير أيضاً. لكن الوقائع والتقارير الصادرة عن عدة هيئات عالمية، وبالاستناد على دراسات محلية في مناطق شتى من العالم، لا تزال تُؤكد أن حال الناس في تشكيل وجبات طعامهم اليومية لا تزال بعيدة، وبعيدة جداً في بعض الأحيان، عن تحقيق تلك الغاية الصحية المنشودة بكل حرص. وقالت سارة ستارك، الباحثة الرئيسة في هذه الدراسة: إننا استخدمنا المعلومات الواردة حول الوجبات الغذائية في الدراسة الإحصائية القومية للصحة والتغذية، كي نتعرف على نوعية الإقبال في تناول الفواكه والخضار بين الناس فيما بين عامي 1988 و2002. وشملت شريحة واسعة ضمن أكثر من 24 ألف شخص من البالغين. وأضافت، وما وجدناه هو أنه لم تُوجد أي مُؤشرات على رغبة واضحة في زيادة تناولهما عبر تلك السنوات، الأربع عشرة. بل إن 11% من بالغي الشعب الأميركي فقط يُحققون تناول ما تنص عليه الإرشادات الخاصة بكمية تناول كل من الفواكه والخضار بشكل صحي وفق الكمية المتقدمة في إرشادات التغذية الصحية. وتحديداً حول تناول كل منها، فإن 28% فقط يتناولون الكمية اللازمة من الفواكه، و32% فقط يتناولون الكمية اللازمة من الخضار، وذلك بشكل يومي. كما لاحظ الباحثون أن 62% من المشمولين في الدراسة لم يكونوا يتناولون أياً من الفواكه بشكل يومي، وأن 25% منهم لم يكونوا يتناولون أياً من الخضار بشكل يومي أيضاً. ولعل هذه هي أهم النتائج التي تُوضح المقصود في هذا العرض حول مثال تقويم مدى الإقبال على تناول الكمية اللازمة للجسم لكل من الخضار والفواكه في أحد المجتمعات التي تحظى بجهود توعية صحية واسعة حول فوائد تناولهما، والتي اقتصرت في إيرادها من بين مجموعة أخرى من المعلومات الإحصائية الواردة في الدراسة التي قد لا تهم كل الناس في بقية مناطق العالم. وقالت الباحثة إن عدم تناول كمية كافية من الفواكه والخضار هو مشكلة صحية خطيرة، على حد قولها، لأن الوجبات الغنية بهما مرتبطة بخفض احتمالات خطورة الإصابة بالسمنة وأنواع شتى من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري وبعض من أنواع الإصابات السرطانية. وهو وصف علمي دقيق لا مبالغة فيه، ينطبق تماماً على المفهوم الطبي الثابت لمعنى تداعيات عدم تناولها بالكمية اليومية، التي تُعتبر أدنى ما يُمكن بها تحقيق حاجة الجسم الصحية منهما. وأضافت القول، وبالجملة فإنه لم يكن هناك تحسن في كمية تناول الأميركيين للفواكه، بل ثمة في الواقع انخفاض في كمية تناول الخضار، وذلك طوال المدة التي تتبعتها الدراسة بالبحث.
وتعتبر النتائج هذه مخيبات لآمال جهود الهيئات الصحية القومية في الولايات المتحدة حول اعتزامها تحقيق برنامج صحي قومي طموح لبلوغ تناول 75% من الناس لثمرتين أو أكثر من الفواكه يومياً و50% منهم لتناول الخضار ثلاث مرات أو أكثر يومياً، وذلك بحلول عام 2010. كما احتوى عدد إبريل من المجلة الأميركية للطب الوقائي، عدداً من الدراسات والتقارير لباحثين من مراكز طبية مختلفة، في الولايات المتحدة وغيرها، تدور بالجملة حول تقويم مستوى إقبال الناس على تناول الفواكه والخضار. ومنها تلك الدراسة التي أجرتها البروفسورة أشيما كانت، من قسم علوم الأسرة والتغذية والرياضة بكلية كوينز في مدينة نيويورك، حول الفوارق بين تناول الأفراد من الأعراق المختلفة للكمية اللازمة بشكل يومي من الخضار والفواكه. وتحديداً في المقارنة بين السود والبيض من ناحية مدى تحسن تناول كل منهم لنوعي المنتجات النباتية.
وتوصل الباحثون إلى أن قليلاً من التقدم قد تم إحرازه في تقليص الفارق بينهما من ناحية عدم تحقيق السود لمستوى متماثل لما هو سائد بالجملة بين البيض في هذا الشأن.
وقالت البروفسورة كانت إنه فيما بين عام 1971 وعام 1974، كان مستوى تناول السود لكمية الخضار والبوتاسيوم والكالسيوم أقل. وهذا الفارق استمر حتى في دراستنا للحال فيما بين عام 1999 وعام 2002. وأضافت بأن الفارق العرقي في التناول لا يُمكن تعليله أو تبريره بالاختلاف في مستوى الدخل المادي أو الدرجة التعليمية. وهو ما يحتاج إلي بحث للكشف عن أسباب استمرار الاختلاف العرقي في تناول الخضار والفواكه.
واستطردت إن من الضروري التعرف على المداخل الثقافية وتسخيرها لوضع وسائل فاعلة في رفع مستوى تناول الخضار والفواكه بين مجموعات السود الأشد عُرضة للإصابة بنقص عناصر التغذية. وهو ما يُقصد به الأطفال والحوامل والمرضعات والمُصابون بالأمراض المزمنة على أنواعها.